الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة
.مسألة يعدو على أرض الرجل فيزرعها ثم ينصف صاحب الأرض فيعدى على حقه: قال: وسألته عن الرجل يعدو على أرض الرجل فيزرعها، ثم ينصف صاحب الأرض فيعدى على حقه، في أوان لو شاء أن يعمل فيه أرضه أمكنه ذلك، ولم يمنع منها، فيترك الزرع، حتى إذا أمكن تنازع فيه الذي زرعه، والمقضي له بالأرض المتعدى عليه، فأراد أن يأخذه، ويغرم للمتعدي بذره أو قيمة بذره، فقال: صاحب البذر أحق بزرعه؛ لأن صاحب الأرض إذا أمكن من أرضه في أوان عمل فترك الزرع فيه، فهو الذي بذره وعليه كراء الأرض لربها. قال: وإن دعا رب الأرض الغاصب إلى إن يقلع نباته ليزرعها رب الأرض، فترك الغاصب نزع نباته يابسا من منفعته، فبرئ من ذلك إلى رب الأرض، وقال: لا حاجة لي به فاصنع به ما شئت، فقال رب المال: أما إذ لا حاجة لك فيه فأنا أقره في أرضي ليكون لي منفعته، فلما بلغ تنازعا فيه. قال: أراه لصاحب الأرض؛ لترك الغاصب إياه يابسا من الانتفاع به لو نزعه؛ لأن رب الأرض إنما ترك عمل أرضه بما ترك له الغاصب من بنيانه. قال الإمام القاضي: وهذا كما قال: إنه إذا أعدى على حقه، وهو أن يقلع زرع الغاصب ويزرع أرضه فلم يفعل، حتى أمكن الزرع، فليس له إلا كراء أرضه؛ لأنه لما ترك زرع الغاصب في أرضه، فقد رضي بأخذ الكراء منه فيها، ولا كلام في أنه إذا دعا رب الأرض الغاصب إلى أن يقلع زرعه فأبى من قلعه، إذ لا منفعة له فيه، وبرئ منه إلى رب الأرض، فقال له: اصنع له ما شئت إذ لا حاجة لي به، أن لرب الأرض أن يقره في أرضه ويكون له، بل ليس للغاصب أن يقلعه إذا لم يكن له فيه منفعة إن قلعه، ومن حق صاحب الأرض أن يجبر على قلعه، وإن لم تكن له فيه منفعة، إذ لا يلزمه قبول معروفه. واختلف إن كانت له فيه منفعة إن قلعه، هل يكون لرب الأرض أن يأخذه بقيمته مقلوعا فيقر في أرضه، ويحوز ذلك، أم لا؟ على قولين. وقد قيل: إن الزرع لصاحب الأرض، وليس للغاصب أن يقلعه، وإن كانت له فيه منفعة إن قلعه؛ لأنه هو أهلك ماله. وقد قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ليس لعرق ظالم حق» حكى ذلك ابن عبد الحكم في مختصره عن مالك قال: والأول أحب إلينا. وقد مضى القول على هذه المسألة في نوازل أصبغ من كتاب كراء الأرضين وفي رسم أول عبد أبتاعه فهو حر، من سماع يحيى من كتاب الاستحقاق مستوفى. وبالله التوفيق. .مسألة يغتصب من الرجل صبرة من قمح فيريد الغاصب أن يصالح المغصوب: قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة، أما إذا صالحه على قيمة اتفقا عليها فيها، أو حكم عليه بها، فجائز أن يصالحه على ما شاء من الطعام، من صنف طعام الصبرة التي اغتصبها، أو من غير صنفها. وعلى ما شاء من العروض والحيوان، أو على دنانير إن كانت القيمة التي وجبت عليه دراهم، أو دراهم إن كانت القيمة دنانير، يعجل ذلك كله، ولا يؤخر شيئا منه؛ لأنه يكون آخره فسخ الدين بالدين، أو ذهبا بورق إلى أجل، وما لم يصطلحا على القيمة، فيجوز أن يصالحه في القيمة التي تجب له عليه في الصبرة بما شاء من العروض والطعام المخالف للصبرة، إذا تعجل ذلك، ويجوز له أن يصالحه على قمح من صفة قمح الصبرة، لا أرفع منه، إذا لم يشك أنه أقل مما كان في الصبرة من الكيل. واختلف هل يجوز أن يصالحه على أدنى من طعام الصبرة، مثل أن يصالحه على شعير، أو على محمولة، والصبرة سمراء، فأجاز ذلك أشهب، واختلف فيه قول ابن القاسم، فله في كتاب الصرف من المدونة: إنه لا يجوز أن يأخذ محمولة من سمراء أو أقل من مكيلته، ولا شعيرا من قمح، لأنه من بيع الطعام بالطعام متفاضلا، إذ قد يكون الشعير أنفق من القمح، والمحمولة أنفق من السمراء، لاختلاف الأغراض في ذلك، وروى يحيى عن ابن القاسم، في رسم الصبرة من سماعه من كتاب الدعوى والصلح، أن ذلك جائز، مثل أشهب، خلاف قوله في المدونة: ولو صالحه على سمراء أدنى من سمراء الصبرة المستهلكة أو على محمولة أدنى من محمولة الصبرة المستهلكة، لا يشك أنه أقل من كيل الصبرة، لجاز ذلك عندهما جميعا، إذ لا يمكن أن يكون رديء المحمولة أنفق من طيبها ولا رديء السمراء، أنفق من طيبها. وبالله تعالى التوفيق. .مسألة البر والقمح والرقيق يسرق فيجدها ربها في غير بلده: قال محمد بن رشد: تفرقته بين البر والرقيق، معناه في الرقيق الذين لا يحتاج إلى الكراء عليهم، فحكمهم على قول مالك هذا في نقل الغاصب لهم من بلد إلى بلد، حكم السلع، يكون ذلك فوتا يوجب للمغصوب منه أن يضمن الغاصب القيمة في ذلك كله يوم غصبه في البلد الذي غصبه فيه، وإن شاء أخذ متاعه بعينه ورقيقه بأعيانهم حيث وجدهم، وأما الرقيق الذي لا يحتاج إلى الكراء عليهم، والدواب التي إنما تركب أو تكرى فهي عنده بخلاف السلع، لا تفوت في الغصب بحملها من بلد إلى بلد، فليس للمغصوب منه إلا أخذها حيث وجدها. وسحنون لا يفرق في ذلك بين الدواب والرقيق والسلع، ويرى نقل ذلك من بلد إلى بلد، كاختلاف الأسواق، فلا يوجب للمغصوب منه في ذلك كله، إلا أخذ متاعه بعينه، حيث ما وجده من البلاد. ولأصبغ في سماعه بعد هذا من قوله، وظاهر روايته عن أشهب، ضد قول سحنون، إن ذلك كله فوت يكون المغصوب فيه بالخيار بين أن يضمنه القيمة في ذلك كله يوم الغصب في البلد الذي اغتصبه فيه، وبين أن يأخذ متاعه فيه بعينه، حيث ما وجده من البلاد، فهي ثلاثة أقوال: قولان متضادان، وتفرقة، وأما الطعام إذا حمله الغاصب من بلد إلى بلد، ففيه ثلاثة أقوال أحدها قول ابن القاسم، وروايته هذه عن مالك، إنه ليس للمغصوب منه إلا مثل طعامه في البلد الذي اغتصبه فيه. والثاني: إن المغصوب بالخيار، بين أن يأخذ طعامه بعينه حيث وجده، وبين أن يضمنه مثله في البلد الذي اغتصبه فيه منه. وهو قول أشهب في رواية أصبغ عنه في سماعه بعد هذا من هذا الكتاب، والثالث تفرقة أصبغ فيه، بين أن يكون البلد الذي نقله إليه الغاصب قريبا أو بعيدا. فإن كان قريبا كان له أن يأخذ طعامه بعينه، وإن كان بعيدا لم يكن له وبالله التوفيق. .مسألة استودع قمحا فتعدى عليه فحمله إلى بلد فأثأر به فأصابه وقد باعه المستودع: قلت: لم؟ قال: لأن في ذلك زيادة، فليس له أن يأخذ منه الزيادة وإن كان متعديا؛ لأنه يقدر على مثله في مثل الموضع الذي استودعه فيه. قلت: فإن رضي رب الطعام والمتعدي، أن يعطيه مثل طعامه في الموضع الذي استحقه فيه، أو طعاما إن كان لم ينفقه، أو الثمن الذي بيع به الطعام قال: إذا رضيا فلا بأس به. قال محمد بن رشد: القول في هذه المسألة كالقول في المسألة التي قبلها سواء، إذ لا فرق في هذا بين الوديعة والغصب والسرقة، يدخل في ذلك كله، الاختلاف الذي ذكرناه. وقد مضت هذه المسألة في رسم أسلم من سماع عيسى من كتاب الوديعة، والكلام عليها هناك مستوفى أيضا. وبالله تعالى التوفيق. .مسألة يبيع العبد غصبا ثم يموت سيد العبد فيكون الغاصب وارثه: قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: لأن الوارث يحل محل الموروث، وينزل منزلته في الحقوق الواجبة له، فإذا ورث الغاصب العبد الذي غصبه، بعد أن باعه قبل أن يعلم المغصوب منه بيعه إياه، فيختار إجازة البيع وأخذ الثمن، كان للغاصب ما كان للمغصوب منه من أخذ العبد وفسخ البيع، وكذلك قال في آخر كتاب بيع الغرر من المدونة في المودع، يتعدى على الوديعة فيبيعها، ثم يموت المودع. وهذا وارثه. إن له أن يرد البيع ويأخذ الوديعة التي باع، لنزوله في ذلك بالميراث منزلة المودع الموروث. وهي كمسألة الغصب سواء والميراث، بخلاف الشراء، لو باع الغاصب العبد الذي اغتصبه ثم اشتراه من المغصوب منه لزمه البيع، ولم يكن أن يرده ويأخذ العبد. قاله في كتاب الغصب من المدونة. والفرق بين المسألتين أن الميراث أمر أوجبه الله، لم يجره هو إلى نفسه، والشراء هو جره إلى نفسه باختياره، وليس له أن يتسبب إلى نقض البيع بذلك، وأيضا فإن شراءه إياه منه بحال منه من صنيعه. وإذا أخذ منه الثمن فيه، فكأنه قد أخذ منه القيمة، وهذا كله بين، وكذلك الدار تكون بين الأخوين، فيبيعها أحدهما كلها، ثم يموت الآخر، وهو وارثه، فينزل منزلته بالميراث في أن له أن يأخذ نصف الدار بالاستحقاق، فينقض فيه البيع، ويرد ثمنه إلى المبتاع، ويأخذ النصف الثاني بالشفعة، وإن أراد أن يأخذ النصف بالاستحقاق، ويترك الأخذ بالشفعة، كان ذلك له، وإن أراد أن يمضي البيع ويترك الدار كلها للمشتري كان ذلك له. وبالله التوفيق: لا رب سواه. .مسألة الأمير الغاصب لأموال الناس إذا عزل فقام الناس يدعون مما في يديه: قال محمد بن رشد: قوله إن السلطان المعروف بالغصب لا ينتفع بحيازة مال الرجل في وجهه مدة تكون الحيازة فيها عاملة إذا أقر بالملك لغيره أو ثبت ذلك عليه وادعى أنه اشترى منه، صحيح مثل ما تقدم لابن القاسم في أول رسم من سماع يحيى. وقد مضى هناك بيان وجه ذلك، فلا معنى لإعادته. وأما قوله: إن ورثته لا يكلفون ما كلف أبوهم من إقامة البينة على الوجه الذي صار إليه به، وإن كان قام عليهم مكانه حين مات، ففيه نظر؛ لأنه جعلهم ينتفعون بحيازته، وهي غير عامدة على القائم من أجل أنه ظالم، فكان القياس أن يكلفوا إقامة البينة على الوجه الذي تصيرت به الدار إلى موروثهم كما كان يكلف ذلك موروثهم، إلا أن يكون قيامه عليهم بعد أن مات أبوهم بمدة تكون لهم حيازة، فلا يلزمهم ذلك، ويكون القول قولهم مع أيمانهم: لقد اشتراها وما غصبها، أو ما يعلمون بأي وجه صارت إلى أبيهم، ولا أنه غصبها على الاختلاف في هل ينتفع الورثة بحيازتهم دون أن يدعوا الوجه الذي تصيرت به إلى موروثهم، أو لا ينتفعون بها، إلا أن يدعوا ذلك كموروثهم سواء؟ إلا أن يأتي المستحق بالبينة أنه غصبها، فإن أتى بذلك استحق داره إلا أن يأتوا ببينة تشهد لهم أنه اشتراها منه بعد الغصب شراء صحيحا بعد أن ردها إليه، أو وهو قد عاد ممن تجري عليه الأحكام. وقد مضى بيان هذا المعنى في أول رسم من سماع يحيى. وأما قوله: إن الأمير المعروف بالغصب لا يكون حاله حال الغاصب، لا فيما استغل ولا فيما بنى وغرس، فهو صحيح أيضا؛ لأن الغلة قد قيل إنها للغاصب، وإن ثبت الغصب عليه لقول النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ «الخراج بالضمان»؛ لأنه لفظ عام مستقل بنفسه، فيحمل على عمومه فيما كان بوجه شبهة وبغير وجه شبهة، على القول بأن اللفظ العام المستقل بنفسه الوارد على سبب يحمل على عمومه، ولا يقصر على سببه الذي خرج عليه من الرد بالعيب، فكيف إذا لم يثبت عليه الغصب؟ وكذلك ما بنى وغرس له قيمة ذلك قائما كما قال، ما لم يثبت عليه الغصب لقول النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ: «ليس لعرق ظالم حق» وبالله التوفيق. .مسألة يقول للرجل كنت غصبتك ألف دينار إذ كنت صبيا: قال محمد بن رشد: أما الذي قال: كنت غصبتك ألف دينار إذ كنت صبيا، فلا اختلاف في أن ذلك يلزمه؛ لأنه أقر أنه فعل في صباه ما يلزمه، إذ لا اختلاف في أن الصبي ضامن لما أفسد وكسر، وكذلك ما اغتصب فأتلف. وأما الذي قال: كنت أقررت لك بألف دينار إذ كنت صبيا فيتخرج ذلك على قولين: أحدهما وهو الأصح: أنه لا يلزمه ذلك إذا كان كلامه نسقا متتابعا. وعلى ذلك يأتي قول ابن القاسم في المدونة: إذا قال لزوجته قد طلقتك وأنا صبي إنه لا يلزمه شيء، وكذلك إذا قال لها: قد طلقتك وأنا مجنون إذا كان يعرف بالجنون. وإذا أقر بالخاتم لرجل وقال: الفص لي أو بالبقعة وقال البنيان لي وكان الكلام نسقا؛ والثاني: أنه يلزمه وإن كان الكلام نسقا متتابعا؛ لأنه يتهم أن يكون استدرك ذلك ووصله بكلامه ليخرج عما أقر به. وعلى ذلك قول ابن القاسم في سماع أصبغ عنه في تفرقته بين أن يقول: لفلان علي ألف دينار وعلى فلان وفلان، وبين أن يقول: لفلان علي وعلى فلان وفلان ألف دينار، قال: لأن الأول أقر على نفسه بألف دينار، فلا يقبل قوله بعد ذلك، وعلى فلان وفلان وإن كان الكلام نسقا متتابعا. وعلى قول ابن القاسم في هذه المسألة يأتي قول سحنون في هذه الرواية، وهو قول ضعيف، وما في المدونة أصح وأولى بالصواب. فالمسألتان مفترقتان، وإنما كان يكون قوله: كنت أقررت لك بألف دينار، إذ كنت صبيا، مثل قوله: لو قال كنت استسلفت منك ألف دينار، إذ كنت صبيا؛ لأن الوجهين جميعا، يستويان في أنهما لا يلزمانه في حال الصبا. وبالله التوفيق. .مسألة أكره رجلا أن يدخل بيت رجل يخرج منه متاعا فأخرج له ما أمره: قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن الإكراه على الأفعال التي يتعلق بها حق لمخلوق، كالقتل والغصب، لا يصح بإجماع، وإنما يصح فيما لا يتعلق به حق لمخلوق من الأقوال باتفاق، ومن الأفعال على اختلاف. وقد مضى تحصيل القول في هذا في رسم حمل صبيا من سماع عيسى من كتاب الأيمان بالطلاق. وأما قوله بأنه يقضي للمكره على الدخول في بيت الرجل، على العامل بالمال؛ لأنه هو المأخوذ به، ففيه نظر، والذي يوجبه النظر أن يقضي له بتغريمه إياه، ولا يمكن منه، ويوقف لصاحبه. وبالله التوفيق. .مسألة اغتصب دابة رجل فاستعملها فأغرمه رب الدابة الكراء: قال محمد بن رشد: وهذا إذا قوم كراؤها على أن علفها على صاحبها، وأما إن قوم كراؤها على أن علفها على المكتري، فلا يحاسبه بالعلف؛ لأنه قد انحط قدره من الكراء، وعلى هذا يجب أن يقوم، فهو أولى وأقل عمى. وفي وجوب الرجوع عليه بكراء ما استعملها اختلاف قد مضى تحصيله في نوازل عيسى فلا معنى لإعادته. وبالله التوفيق. .مسألة يغتصب الدابة ولا يعملها في شيء ولا يكريها ثم استحقها ربها: قال محمد بن رشد: إنه يجب عليه كراء ما عطلها. وهو قول ابن الماجشون. وقد مضى هذا في نوازل عيسى فلا معنى لإعادته. وبالله التوفيق. .مسألة يكون له بيضة من دجاجة ميتة أو دجاجة حية فيغصبها منه رجل: قال محمد بن رشد: قول سحنون في هذه المسألة على أصله، في أن الزرع في المزارعة الفاسدة لصاحب البذر، وهي رواية ابن غانم عن مالك، ويأتي فيها على قياس القول بأن الزرع في المزارعة الفاسدة لصاحب العمل والأرض، إن الفرخ للغاصب، ويكون عليه لرب البيضة مثلها، وعلى هذا يأتي قول ابن القاسم في سماع سحنون، من كتاب الشركة، في الرجل يأتي بحمامة أنثى والآخر بحمامة ذكر، على أن تكون الفراخ بينهما، وفي الرجل يقول للرجل: اجعل هذا البيض تحت دجاجتك، فما كان من فراخ فهو بيننا، إن الفراخ تكون لصاحب الدجاجة، ولصاحب البيض بيض مثله. وبالله التوفيق. .مسألة غصب عبدا فأتى رب العبد بالبينة أنه غصبه: قال محمد بن رشد: قول مالك هذا هو مذهبه في موطئه وقول ابن القاسم وروايته عنه في رسم مرض من سماع ابن القاسم، من كتاب الاستحقاق، وقول غير ابن القاسم في كتاب الشهادات من المدونة. وقول سحنون، هو قول ابن القاسم، في رسم حمل صبيا من سماع عيسى من كتاب الدعوى والصلح، وهو قول أشهب في المبسوطة والذي يأتي على قول مالك في المدونة: إن الغلة للذي هي في يديه، حتى يقضى بها للطالب، فهي مسألة اضطرب فيها قول مالك، وابن القاسم. وقد مضى تحصيل الاختلاف في الحد الذي يدخل به الشيء المستحق في ضمان المستحق، في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم، من كتاب الاستحقاق، فلا معنى لإعادته. وبالله التوفيق. .مسألة اغتصب عبدا فجنى العبد عند الغاصب فأتى سيده فأخذه: قال محمد بن رشد: بنى سحنون جوابه في هذه المسألة على مذهب ابن القاسم في المدونة إن العبد إذا جنى عند الغاصب، فسيده مخير بين أن يضمن الغاصب قيمته يوم غصبه، وبين أن يأخذه مجنيا ولا شيء له على الغاصب، وبنى غيره وهو أشهب، جوابه فيها على قول ابن القاسم في رسم الصبرة من سماع يحيى المتقدم، في أن العبد المغصوب إذا جنى عند الغاصب، فسيده مخير، بين أن يضمن الغاصب قيمته يوم غصبه، وبين أن يفتكه ويرجع على الغاصب بالأقل من قيمته أو ما افتكه به فرأيا أن العبد قد فات نصفه عند سيده بجنايته عنده، لاستواء الجنايتين، فيلزمه بما أخذه به من نصف القيمة، والنصف الثاني هو فيه مخير، بين أن يأخذ قيمته، وبين أن يأخذه مجنيا عليه، ولا شيء له على الغاصب عند سحنون، على مذهب ابن القاسم في المدونة، وعند غيره على مذهب ابن القاسم في سماع يحيى، يرجع على الغاصب بأقل من قيمته أو ما ود في الجناية التي جناها عبده، وهي نصف الجنايتين كما قال، لأنهما مستويتان. وفي ذلك من قولهما جميعا نظر؛ لأن العبد يفوت جميعه عند سيده بجنايته عنده، كرجل ابتاع عبدا فجنى عنده جناية، ثم اطلع على عيب به؛ لأن السيد أخذ العبد بالقيمة الواجبة على الغاصب يوم الغصب، فجنى عنده جناية، ثم اطلع على أنه قد كان جنى عند الغاصب، فالذي يوجبه النظر في ذلك على منهاج قولهم، إن السيد يرجع على الغاصب بقيمة عيب الجناية التي جناها عنده. ووجه العمل في ذلك، أن يقوم العبد بعيب الجناية، وسالما منها، فما كان بين القيمتين من الأجزاء، ثلث أو ربع أو خمس، رجع رب العبد على الغاصب في القيمة التي أخذ العبد منه فيها بذلك الجزء، وإن كانت الجناية تستغرقه، ولا قيمة له بها رجع عليه بجميع قيمته، وكان الغاصب مخيرا بين أن يفتكه بجنايتين، أو يسلمه بهما، وهذا إذا كان العبد قد فات عند الغاصب بغير الجناية التي لم يعلم بها، فأخذ عبده وقد كان له أن يضمن الغاصب قيمته يوم الغصب، وأما إن كان لم يفت عند الغاصب فأخذه صاحبه ولم يعلم بالجناية، ثم جنى عنده فاطلع على الجناية التي كان جنى عند الغاصب، فالحكم فيه على ما يوجبه القياس والنظر، أن يكون مخيرا بين أن يرده الغاصب، أو يضمنه قيمته يوم الغصب؛ لأنه يقول: لو علمت أنه جنى لم آخذه، وقد كنت مجبورا على أخذه، إذ لم يسلم بجنايته، ويكون الغاصب فيه مخيرا بين أن يفتكه بالجنايتين جميعا، أو يسلمه لهما، وإن شاء سيد العبد تمسك بعبده، وافتكه بالجنايتين أو أسلمه بهما. فإن أسلمه بهما وهما سواء، رجع على الغاصب بنصف قيمة العبد، وإن افتكه بهما، رجع على الغاصب بالأقل من نصف قيمته، أو نصف الجنايتين، على الاختلاف المذكور في ذلك، وإنما كان يصح جوابهما لو كانا عبدين مغصوبين، فجنى أحدهما عند الغاصب، فأخذهما سيدهما، ولم يعلم بجناية الجاني منهما، ثم جنى الآخر عنده. وبالله تعالى التوفيق. .مسألة اغتصب من رجل طعاما بعينيه في غير البلد: قال محمد بن رشد: ساوى أشهب في هذه الرواية بين الطعام والبز والعروض والحيوان في أن للمغصوب منه أن يأخذه حيث ما وجده من البلاد، وذلك خلاف قول ابن القاسم وروايته عن مالك، فإنه فرق بين الطعام والعروض والحيوان في ذلك، وفرق أيضا بين العروض والحيوان، مثل الدواب التي لا يكرى على حملها، ووافقه سحنون في الطعام، وخالفه في العروض والحيوان، فيتحصل في العروض والحيوان ثلاثة أقوال، وفي الطعام بتفرقة أصبغ ثلاثة أقوال أيضا. وقد مضى تحصيل ذلك كله، وبيانه وشرحه في سماع سحنون فلا معنى لإعادته. والله الموفق.
|